Al-Farouq bld., Rafedia, Nablus, Palestine | info@witness.ps +972 9 2345129 | +972 56 9827830

تقدير موقف – آثار السابع من أكتوبر على حركة حماس: البنية والرؤية

على الرغم من المتغيرات المتتالية التي تصعب الوصول إلى استنتاجات تقدم تشخيصا دقيقا لمآلات تنفيذ كتائب عز الدين القسام عملية عسكرية نوعية فاجأت حلفاء الحركة وخصومها في السابع من أكتوبر 2023 وما تلاها من إعلان إسرائيل حربا ضروسا على قطاع غزة، فإن الضرورة تستوجب -على أقل تقدير- طرحاً للأفكار الأساسية التي يمكن أن تمهد لاستشراف السيناريوهات والتداعيات المتوقعة على بنية حماس التنظيمية ورؤيتها السياسية ومستقبل الحركة. ولذلك، ناقشت الندوة التي نظمها مركز شاهد لحقوق المواطن والتنمية المجتمعية بمشاركة مجموعة من الباحثين والمهتمين، الارتدادات المتوقعة لمواجهة حماس الأضخم والأوسع والأشرس مع إسرائيل على مستقبل الحركة وبنيتها التنظيمية ورؤيتها، في محاولة لفهم أعمق كيف تفكر حماس لتقليل أثر هذه التداعيات التي ربما تشكل انعطافة في تاريخ الحركة.

يسود الاعتقاد بأن سنوات الحصار المستمرة على قطاع غزة منذ عام 2007، وتصاعد الهجمة الإسرائيلية الاستيطانية على القدس والمسجد الأقصى والضفة الغربية، واستدراج بعض الدول العربية إلى تطبيع علاقاتها مع إسرائيل بما يدفع القضية الفلسطينية نحو الهامش، شكلت مجتمعة الدوافع الجوهرية لتنفيذ حماس لعملية السابع من أكتوبر، في محاولة لخلق تغير جذري في الواقع الذي حاولت إسرائيل عبر سياساتها ترسيخه خلال العقدين الأخيرين. إلا أن الاستناد إلى ذلك ليس كافياً؛ فمن الصعب إهمال الدوافع الذاتية لحركة حماس من وراء عملية السابع من أكتوبر والمتعلقة بهويتها كحركة مقاومة فلسطينية تسعى باجتهاد أن تبقى في دائرة هذا التعريف بصرف النظر عن المواقع المختلفة التي لعبتها بالأخص في حكم غزة منذ عام 2007.

إن فهم الركائز الأساسية التي تقوم عليها عقيدة العمل المقاوم لدى حماس تجعل من الممكن فهم كيف ستواجه الحركة انعكاسات السابع من أكتوبر على رؤيتها. فعقيدة العمل المقاوم عند حركة حماس تقوم على ركيزتين جوهريتين: الأولى استدامة الفعل المقاوم (Sustainability)؛ بمعنى أن حماس تدرك أن التحرر عملية طويلة ومركبة وتراكمية ولا يمكن أن تحدث بضربة قاضية، لذا يشكل استدامة العمل المقاوم الأداة الرئيسة في إنجاز مهمة التحرير. والثانية التكييف (Adaptability)؛ أي تكييف الفعل المقاوم من حيث الشكل والكثافة والتركيز مع المتغيرات السياسية ضمن حسابات تضع مصلحة الحركة وأهدافها. وفي ضوء ذلك، وعلى الرغم من ضراوة الحرب على غزة وإرهاق حماس على المستوى العسكري، فمن غير المتوقع أن تتراجع حماس عن الالتزام بالعمل المقاوم، الذي يشكل جزءا أساسيا من هويتها وسبب وجودها، إلا أنها سوف تتحكم به بالاستناد إلى مرتكزات عقيدة العمل المقاوم. كلتا الركيزتين تتيحان المجال للإبقاء على هوامش العمل السياسي مفتوحة، وهو ما لا يرجح أن تهمل حماس وثيقتها السياسية الصادرة في عام 2017 والعودة بشكل أو بآخر إلى ميثاقها الصادر في عام 1988، ولاسيما أن وثيقة السياسات تقرب حماس أكثر من مكونات العمل السياسي الفلسطيني، وتتحدث عن قبول إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967 كصيغة توافق فلسطيني داخلي مقبولة من أغلب الفصائل الفلسطينية. كما يسير الاعتقاد أن حركة حماس ستبحث فيما بعد الحرب عن مسار اندماجي مع الإطار الفلسطيني الوطني أكثر من خيار الخروج عنه، وذلك حتى تتجنب العزلة السياسية. إذ من المتوقع ألا يكون العالم متسامحاً معها بعد السابع من أكتوبر، الذي لم يكن بالأساس متسامحاً معها قبل ذلك. أما فيما يتعلق برؤية حماس تجاه الاستمرار في حكم غزة ما بعد الحرب، فهي أقرب للاقتناع بأن هذه المهمة لن تكون مهمتها وحدها، وستعمل على إيجاد صيغة تشاركية مع حركة فتح وباقي الفصائل للقيام بهذه المهام.

من جانب آخر، تشير الشواهد التاريخية التي تتركها تجارب حماس في التعامل مع استهداف قياداتها السياسية والعسكرية والميدانية إلى قدرتها على تجاوز تداعيات استهداف قياداتها في الحرب الدائرة على قطاع غزة، والحفاظ على بناها القيادية. ويمكن رد ذلك إلى عنصرين أساسيين شكلا أهم مفاصل البناء التنظيمي لدى حماس: الأول، أن حركة حماس حركة ممتدة ومتجذرة ومتجددة، تمتلك بنية لها مؤسساتها وهياكلها التنظيمية والإدارية والاجتماعية والعسكرية المتجددة، ويستبعد أن يكون للسابع من أكتوبر أو ما بعده انعكاسات جوهرية على صعيد البنية التنظيمية لحماس، وخصوصا المتعلقة بآليات العمل، حيث تعرضت حركة حماس لمحاولات مستمرة منذ تسعينيات القرن الماضي لتفكيك بنيتها السياسية والعسكرية والاجتماعية، وعلى الرغم من ذلك بقيت قادرة على أداء المهام المنوطة بها بفاعلية وكفاءة وأدت إلى نمو الحركة وانتشارها واتساع رقعة التأييد لها. أما ثانياً، فإن قدرة الحركة على إنتاج القادة مكنتها في كثير من الأحيان من التغلب على أي فراغ في هياكلها القيادية والتنظيمية بمستوياتها وتفرعاتها المختلفة، ويحسب لحماس جهوزيتها لتجاوز هذه المعضلة و ملء أي فراغ قيادي في المستويات كافة بسبب بنيتها القائمة على فكرة القيادة الجماعية وليس كاريزما القائد الأوحد.

يبقى التحدي أمام حماس والقوى الفلسطينية في قدرتها على قراءة ما بعد السابع من أكتوبر والحرب الضروس على قطاع غزة، وطرح مقاربات لإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على قاعدة الشراكة السياسية، تكون حركتا حماس والجهاد الإسلامي جزءاً منها، كنقطة ارتكاز للتصدي للمحاولات الإسرائيلية الاستفراد بالشعب الفلسطيني وفرض مخططاته عليه، ولاسيما أن العدوان على غزة قد باح بما تضمره القيادة السياسية الإسرائيلية من مخططات تجاه إفراغ الأرض الفلسطينية من أهلها وفرض أمر واقع عليه قد تتجاوز تداعياته تداعيات النكبة الفلسطينية.

الإعداد:

– د. قصي حامد، أكاديمي فلسطيني، مؤلف كتاب: “Hamas in power: the question of transformation”.

– أمجد بشكار، باحث دكتوراه في العلوم السياسية من جامعة قرطاج بتونس. له مؤلف حول الشراكة السياسية ونشر العديد من الأبحاث العلمية في مجلات مُحكمة.

صياغة وتحرير:

كايد ميعاري ورزان خضر